اججت التوجهات العالمية المتزايدة نحو الاستثمار في الاقتصاد الأخضر؛ والحاجة الملحة لتنويع سلاسل الإمداد بسبب المتغيرات الجيوسياسبة الناجمة عن الحرب الروسية في اوكرانيا؛ تنافسا شرسا بين الولايات المتحدة الأميركية والصين للحصول على الحصة الأكبر من ثروات افريقيا المعدنية التي تشكل 33 في المئة من مجمل الثروة المعدنية في العالم.
وأكد مسؤولون ومختصون شاركوا في مؤتمر الاستثمار في المعادن الأفريقية الذي اختتم أعماله بمدينة كيب تاون في جنوب افريقيا؛ الجمعة؛ أن امام البلدان الأفريقية الغنية بالموارد المعدنية؛ فرصة كبيرة؛ للاستفادة من ذلك التنافس في توجيه الاسواق والشراكات العالمية من اجل تحقيق قيمة مضافة حقيقية من الصادرات المعدنية بعيدا عن النهج الحالي القائم على تصدير الخامات.
لكن لكل من أميركا والصين استراتيجية مختلفة؛ فبالنسبة لأميركا وعلى الرغم من غيابها النسبي طوال السنوات الخمس الماضية عن المشهد الاقتصادي الأفريقي فإن عودتها المتأخرة بنيت على تعزيز سلاسل توريد المعادن الأفريقية التي تحتاجها بقوة مقابل ضخ استثمارات مباشرة لرفع القيمة المضافة للمنتجات المعدنية الأفريقية؛ بحسب ما كشف عنه وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة.
أما الصين فتقول إنها تتبع استراتيجية الاستثمار في قطاع التعدين الأفريقي مقابل تطوير البنية التحتية ودعم مشروعات التنمية؛ لكن هنالك اتهامات واسعة للصين بإغراق البلدان الأفريقية بديون ضخمة من أجل السيطرة على المعادن والموارد الطبيعية؛ وهو ما تنفيه بكين بشدة.
وقد شهدت الفترة الأخيرة تزايدا كبيرا في التوجه العالمي نحو الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة التي تحتاج إلى نوعية محددة من المعادن الصناعية التي تستحوذ الأراضي الأفريقية على نحو 80 في المئة منها؛ وفي الجانب الآخر دفعت الصعوبات اللوجستية والقيود السياسية والامنية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية؛ البلدان الصناعية للعمل بشكل كبير على تنويع سلاسل الإمداد والتركيز على المعادن الأفريقية.
وفي هذا السياق؛ يؤكد خوسيه فرنانديز، وكيل وزارة الخارجية الأميركية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة ان العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا دفعت بلاده إلى الاهتمام بتنويع سلاسل التوريد؛ مشيرا إلى أن إفريقيا يمكن أن تستفيد من ذلك.
وتحتاج اميركا بشدة إلى زيادة الاستثمار في السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، وهو ما يتطلب استيراد المزيد من المعادن التي تدخل في صناعة توربينات رياح وألواح الطاقة الشمسية والبطاريات الكهربائية. وإضافة إلى المعادن الصناعية التقليدية؛ تسيطر الدول الأفريقية على الحصة الأكبر من إنتاج نحو 40 معدنًا مهمًا لمستقبل الطاقة النظيفة والصناعات الصديقة للبيئة مثل السيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر والرقائق.
ويكشف فرنانديز عن استراتيجية بلاده الرامية للاستفادة من قطاع التعدين في أفريقيا بالقول “الشراكة مع افريقيا؛ هي إحدى الأسس المهمة لاستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن؛ لأننا عندما نتحدث عن أولويات مثل الانتقال إلى الطاقة النظيفة وسلاسل التوريد والاستثمار؛ فإننا نحتاج إلى التعاون مع البلدان الأفريقية”. وأضاف أن الولايات المتحدة تبحث مع شركاء من القطاعين العام والخاص في الدول الأفريقية تعزيز وتعميق التعاون في مجال سلاسل توريد المعادن الصناعية والحيوية المتنوعة.
وفي الواقع؛ حرصت الولايات المتحدة خلال القمة التي عقدتها مع رؤساء وممثلي 50 دولة افريقية في واشنطن في ديسمبر 2022؛ على توقيع اتفاقيات شراكة واستثمار طويلة الأمد في مجال التعدين مع تلك الدول وذلك في ظل تنافس محتدم مع الصين وروسيا اللتان تسيطران على حصة كبيرة من استثمارات القطاع في بلدان القارة السمراء.
وعلى هامش القمة؛ وقعت الولايات المتحدة مذكرات تفاهم مع رئيسي جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا لبناء مصنع مشترك لمعالجة المعادن التي تؤدي إلى تطوير سلسلة إمدادات صناعة السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة الأميركية عبر تطوير سلسلة توريد بطاريات كهربائية تفتح الباب أمام تحقيق قيمة مضافة للبلدين الأفريقيين.
في الجانب الآخر؛ سعت الصين خلال العقدين الماضيين إلى ترسيخ أقدامها في قطاع المعادن الأفريقي المربح؛ وسط انتقادات واسعة باستخدامها استراتيجية إغراق البلدان الأفريقية بالديون مقابل السيطرة على الموارد المعدنية؛ وهو ما تنفيه بكين. وفي خضم المخاوف التي اثارها تقرير أممي اشار إلى بلوغ ديون بلدان القارة الأفريقية أكثر من تريليون دولار؛ لتقديرات بأن أكثر من 15 في المئة منها مصدرها الصين؛ تزايد الجدل حول استراتيجية الصين المتعلقة بالاستثمار في قطاع الطاقة.
ووصف وزير الخارجية الصيني، تشين قانج؛ تلك الاتهامات ب “الباطلة”؛ ونفى أن تكون بلاده قد أوقعت بلدان إفريقية في فخ الديون.
لكن أحدث تلك الاتهامات جاءت على لسان فيليكس تشيسكيدي؛ رئيس الكونغو الديمقراطية؛ الذي خصص جزء كبير من تصريحاته خلال مؤتمر كيب تاون الأخير؛ لتوجيه انتقادات كبيرة لسياسات الصين المتعلقة بالاستثمار في قطاع التعدين في بلاده. وطالب تشيسكيدي الصين بشروط أفضل للاستثمار في قطاع التعدين؛ مشيرا إلى أنها تسيطر على الجزء الأكبر من استثمارات الكوبالت الذي تستحوذ الكونغو الديمقراطية على نحو 70 في المائة من إجمالي انتاجه العالمي.
وفي يناير قال تشيسكيدي في تصريحات صحفية على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” إن بلاده لم تستفد من عقد قيمته 6.2 مليار دولار منحت بموجبه الصين امتيازات تعدينية مقابل تنفيذ مشروعات بنية تحتية. ونقلت “بلومبرغ” عن تشيسكيدي القول؛ “جنى الصينيون الكثير من المال وحققوا الكثير من الأرباح من هذا العقد دون ان تستفيد جمهورية الكونغو من ذلك ودون يوجد شيء ملموس للسكان” وأضاف “الآن حاجتنا هي ببساطة إعادة التوازن إلى الأمور بطريقة تجعلها مربحة للجميع”.
وتهيمن الصين حاليا بالفعل على جزء كبير من الموارد المعدنية في أفريقيا عبر شركات عملاقة مثل شركة “زيجين” التي تعتبر واحدة من أكبر مجموعات التعدين في العالم ولها أنشطة ضخمة في مجال إنتاج الليثيوم والنحاس والمعادن الأخرى في عدد من البلدان الأفريقية.
ووفقا لتقديرات نيكيسي ليسوفي؛ الرئيس التنفيذي لشركة “بوشفيلد” للتعدين التي تعمل في أكثر من 10 بلدان إفريقية فإن أفريقيا تتصدر الإنتاج العالمي لسبعة من عشرة معادن ضرورية للانتقال العالمي نحو الاقتصاد الأخضر وإنتاج السيارات الكهربائية؛ بما في ذلك الكوبالت والليثيوم ومعادن مجموعة البلاتين.
المصدر : وكالات انباء