تحتفل محافظة أسوان بعد غد الثلاثاء بظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى بمعبده الكبير بمدينة أبو سمبل، فى ظاهرة فلكية فرعونية فريدة جسدها القدماء المصريون منذ آلاف السنين، وعززها عدم تعامد أشعة الشمس على وجه تمثال “بتاح” “إله الظلام” الموجود بجواره .
تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى معجزة تستقطب السائحين على مر الزمان مرتين فى العام من مختلف دول العالم، مجددة الاعتراف بتفوق المصريين فى علوم الفلك، إذ أنه إذا كان يوما تعامد الشمس مختارين ومحددين عمدا قبل عملية النحت، فإن ذلك يستلزم معرفة تامة بأصول علم الفلك، وحسابات كثيرة لتحديد زاوية الانحراف لمحور المعبد عن الشرق، بجانب معجزته المعمارية بأن يكون المحور مستقيما لمسافة أكثر من 60 مترا ولا سيما أن المعبد منحوت في الصخر.
وقال الدكتور جاد محمد القاضى رئيس المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية إن تلك الظاهرة تستغرق 20 دقيقة فقط، يتم خلالها تعامد أشعة الشمس على قدس الأقداس بمعابد أبوسمبل، ويحدث ذلك مرتين كل عام فى يوم 22 فبراير و22 أكتوبر، حيث تخترق أشعة الشمس الممر الأمامى لمدخل معبد رمسيس الثانى بطول 200 متر حتى تصل إلى قدس الأقداس، الذى يتكون من منصة تضم تمثال الملك رمسيس الثانى جالسا وبجواره تمثال الإله رع حور أخته والإله آمون بالإضافة إلى تمثال رابع للإله بتاح .
ومن منطلق الدور الذي يلعبه المعهد القومى فى إثراء الثقافة العلمية لدى المجتمع وتشجيعا للسياحة، فإنه تم الإعداد لاحتفالية علمية بمناسبة هذا الحدث بالتعاون مع وزارة الآثار ممثلة فى متحف النوبة ومنطقة آثار أسوان وأبوسمبل ووزارة الرى ممثلة فى متحف النيل، حيث سيتم إلقاء محاضرات عامة فى كل من متحف النوبة ومتحف النيل.
وتهدف تلك الاحتفالية إلى إثراء الحدث علميا بإقامة فعالية علمية احتفاء بما قدمه الأجداد في مجال علم الفلك والهندسة والمعمار، الاستفادة العلمية بتسجيل بعض الأرصاد الخاصة بالحدث والمتعلقة ببعض الظواهر الأخرى التي تقع ضمن المجالات البحثية للمعهد، والإسهام في التوعية الفلكية للمواطنين المهتمين بعلوم الفلك والآثار والمعمار .
وتضمنت الاحتفالية، التى انطلقت أمس الأول، إلقاء محاضرة عامة عن الظاهرة بقصر ثقافة أسوان ومتحف النيل ومتحف النوبة بأسوان أيام 18 و19 و20 أكتوبر، ثم القيام اليوم الأحد ببعض القياسات العلمية الفلكية فى منطقة أبوسمبل استعدادا لرصد الظاهرة بعد غد الثلاثاء باستخدام أحدث الأجهزة المتخصصة فى ذلك المجال.
معابد أبو سمبل تم اكتشافها فى أول شهر أغسطس عام 1817 عندما نجح المستكشف الإيطالى جيوفانى بيلونزى، فى العثور عليها ما بين رمال الجنوب، ويعد المعبد أكبر معبد منحوت في الصخر في العالم، ويعتبر آية في العمارة والهندسة القديمة حيث نحت في قطعة صخرية على الضفة الغربية للنيل في موضع غاية في الجمال، فيما تم اكتشاف ظاهرة تعامد الشمس فى عام 1874، عندما رصدت المستكشفة “إميليا إدوارذ” والفريق المرافق لها، هذه الظاهرة وتسجيلها فى كتابها المنشور عام 1899 بعنوان “ألف ميل فوق النيل” .
شيد الملك رمسيس الثانى معبده الكبير فى أبو سمبل، وشيد بجواره معبدا لمحبوبته زوجته الملكة نفرتارى، وهناك أدلة على أن أصل الفكرة في تشييد معبد في أبي سمبل كانت لسيتي الأول بهدف عبادة الشمس، ولا شك أن جزءا كبيرا من الداخل كان قد نحت قبل أن يعتلي رمسيس الثاني العرش، لكن إلى أي مدى كان سيتي مسئولا عن الشكل الأخير وخاصة الواجهة هذا ما لا يعرفه أحد حتى الآن .
هناك روايتان لسبب تعامد الشمس، أولهما أن المصريين القدماء صمموا المعبد بناء على حركة الفلك لتحديد بدء الموسم الزراعى وتخصيبه، وثانيهما أن تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى فى هذين اليومين يتزامنان مع يوم مولده ويوم جلوسه على العرش.
ظاهرة تعامد الشمس كان يحتفل بها قبل عام 1964 فى يومى 21 فبراير و21 أكتوبر، ومع نقل المعبد إلى موقعه الجديد، نتيجة تعرضه عقب بناء السد العالى للغرق بسبب تراكم المياه خلف السد العالى وتكون بحيرة ناصر، تغير توقيت الظاهرة إلى 22 فبراير و22 أكتوبر
وبدأت الحملة الدولية لإنقاذ آثار أبو سمبل والنوبة ما بين أعوام 1964 و1968، من خلال منظمة اليونسكو الدولية بالتعاون مع الحكومة المصرية، بتكلفة 40 مليون دولار، وتم نقل المعبد عن طريق تفكيك أجزائه وتماثيله مع إعادة تركيبها فى موقعها الجديد على ارتفاع 65 مترا أعلى من مستوى النهر، وتعتبر واحدة من أعظم الأعمال فى الهندسة الأثرية .
المصدر : أ ش أ