وضعت الاتهامات بالقصف المتبادل بين موالين لروسيا في دونباس شرق أوكرانيا وبين الحكومة الأوكرانية قبل أيام، الإقليم في صدارة المشهد مجدداً وطرحت تساؤلات عن مدى أهميته خصوصاً أن موسكو لوحت مراراً برغبتها بالاعتراف به كدولة مستقلة.
وفي قلب الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا، يكمن الصراع طويل الأمد في منطقة دونباس، المقسمة منذ عام 2014 إلى مناطق منفصلة تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا.
فقد ناشد مجلس الدوما الروسي، الثلاثاء الماضي، الرئيس فلاديمير بوتين الاعتراف بالأنظمة الانفصالية هناك كدول مستقلة.
وتضم منطقة دونباس اليوم الأجزاء التي تسيطر عليها كييف من ولايتي دونيتسك ولوهانسك (المناطق التي تسيطر عليها الحكومة)، و”الجمهوريات الشعبية” الانفصالية دونيتسك ولوهانسك.
ولا يزال خط جبهة دونباس يمثل انقساماً مقلقاً، حيث تتجمع القوات العسكرية الروسية في نقاط مختلفة على الحدود الشرقية والجنوبية والشمالية لأوكرانيا.
وبدأ النزاع المسلح في شرق أوكرانيا في عام 2014، وأسفر منذ ذلك الحين عن مقتل أكثر من 14000 شخص. ووضعت الحرب قوات الحكومة الأوكرانية ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا للسيطرة على معظم المنطقتين الصناعيتين في دونيتسك ولوهانسك، والمعروفتين أيضاً باسم دونباس.
فقد انتهت المعارك الشرسة في 2014-2015 بثلث أراضي المنطقة، الجزء الأكثر تحضراً، في أيدي جمهوريات دونيتسك ولوهانسك الشعبية التي تصف نفسها بشبه المستقلة، وفق “وول ستريت جورنال”.
وبين سبتمبر 2014 وفبراير 2015، وقّعت روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا ما يسمى باتفاقيات مينسك، والتي أوقفت في النهاية الحرب وقلصت القتال بشكل كبير.
لكن الاتفاقيات لم تنفذ قط، وتحول القتال إلى حرب خنادق، حيث يواجه قرابة 75 ألف جندي على طول خط أمامي بطول 420 كيلومترا يخترق مناطق مكتظة بالسكان، وفق تقرير “مجموعة الأزمات الدولية”.
ودمرت الحرب اقتصاد المنطقة والصناعات الثقيلة وأجبرت الملايين على الانتقال وحولت منطقة الصراع إلى واحدة من أكثر مناطق العالم تلوثاً بالألغام.
وكانت اتفاقيات مينسك لعام 2015 غير مواتية بطبيعتها لأوكرانيا التي كانت تحاول وقت التوقيع وقف القتال في الشرق، حيث عانى جيشها من خسائر فادحة.
كذلك، تعهدت السلطات الأوكرانية بالتزامها ببروتوكول مينسك، الذي اعترفت بأنه الإطار الوحيد المتاح لتسوية السلام وإن كان يحتاج إلى التحديث، فيما روسيا بالطبع تعارض فكرة مراجعتها، وفق تحليل نشرته “معهد لوي” للدراسات.
وعلى مر السنين، اتفق الطرفان المتحاربان على سحب الأسلحة الثقيلة، وتبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار قصير الأمد ولكن ليس أكثر.
لكن وعلى رغم تراجع العنف، توقفت محادثات السلام أيضاً، ولا يزال خط المواجهة الذي يبلغ طوله 427 كيلومتراً يقسم المنطقة الصناعية التي كانت مزدهرة في يوم من الأيام.
في موازاة ذلك، وصلت محادثات “صيغة نورماندي” إلى طريق مسدود منذ اجتماع قادة أوكرانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا في ديسمبر 2019.
وفي عام 2019، وافق الرئيس الأوكراني المنتخب آنذاك فولوديمير زيلينسكي على التوقيع على ما يسمى بصيغة شتاينماير، وهي خطة سلام سميت على اسم وزير الخارجية الألماني السابق الذي اقترحها لأول مرة كمسار نحو تنفيذ اتفاقيات مينسك.
وتنص الخطة على منح وضع الحكم الذاتي للأراضي التي تعتبرها أوكرانيا محتلة من قبل روسيا بعد إجراء الانتخابات المحلية والاعتراف بنتائجها من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE).
لكن حجر العثرة كان الخلاف بين أوكرانيا وروسيا حول ما يجب أن يأتي أولاً، الانتخابات المحلية أو مراقبة الحدود.
ويبدو أن صبر روسيا بدأ ينفد من الجمود في عملية مينسك، وقد تكون مخاوف الحرب الأخيرة وسيلة ضغط للتوصل إلى اتفاق مع الغرب، وفق معهد لوي للدراسات.
في المقابل، تتفهم أوكرانيا الخطر وقالت إنها لن تقبل أي تنازلات لروسيا من وراء ظهرها لإرضاء بوتين.
وتشتهر المنطقة تاريخياً بمناجم الفحم الغنية بها، كما أنها أكبر منطقة منتجة للحديد والصلب في أوكرانيا.
وتعد منطقة تعدين كبيرة ومنطقة صناعية في جنوب شرقي أوروبا، وواحدة من أكبر المجمعات المعدنية والصناعات الثقيلة في العالم.
كذلك، في حوض دونيتسك، يتم استخراج الزئبق، كما تتخذ صناعة الإسمنت أهمية كبرى. وأدخلت مجموعة واسعة من الصناعات الخفيفة وصناعات السلع الاستهلاكية لتنويع الاقتصاد وتلبية احتياجات عدد كبير من السكان.
المصدر: وكالات