ما الذي حدث ويحدث في أسوان جنوبي مصر؟ سؤال تبدو إجابته صعبة لدى قطاعات عريضة من المصريين، من غير أبناء الصعيد، وبالأحرى لدى غير المصريين.
تقول الرواية المرجحة إن عبارات مسيئة كتبت على جدران إحدى المدارس، نشبت على إثرها اشتباكات بين أبناء الدابودية “نوبيون” وأبناء بنى هلال “عرب”، وفى أعقاب ذلك عقدت جلسة صلح بين شيوخ القبيلتين لكنها سرعان ما تحولت إلى معركة مسلحة، سقط فيها قتيلان وعشرات الجرحى.
ثم اتسعت دائرة العنف بين الطرفين، حتى وصل عدد القتلى بعد أيام قليلة إلى 27، فضلا عن عشرات الجرحى وإحراق عشرات البيوت والمحال التجارية.
لكن هل كان هناك من يسعى لإشعال نيران الفتنة بين أبناء القبيلتين؟
المتحدث العسكري أشار إلى أن عناصر من جماعة الإخوان المسلمين دفعت في اتجاه التصعيد، ومصادر أمنية اتهمت مدرس بتلك المدرسة ومديرها بتسهيل العنف حين سمحا بدخول أبناء القبيلتين، بل ويتصاعد الاتهام بأن عناصر إخوانية هي التي تقف وراء العبارات المسيئة التي ساهمت في الوقيعة بين الطرفين.
ويرى مروجو هذه الرواية أن الهدف من الفتنة هو النيل من جهود وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي الذي قرر خوض الانتخابات الرئاسية، لدعم مطالب أبناء النوبة، خاصة أن الأحداث جاءت في أعقاب زيارة وفد من النوبة له، لكن حتى الآن ليس هناك دليلا قاطعا على صحة هذه الرواية.
وقرر رئيس الوزراء إبراهيم محلب تشكيل لجنة تقصي حقائق في أعقاب زيارته للمدينة، لكنها لم تبدأ أعمالها بعد.
الوضع الآن يشير إلى الصلح والتهدئة بين الطرفين، عن طريق وفد القبائل العربية الذى زار القبيلتين، ووفد الأزهر المقرر له لقاء الطرفين ظهر الأربعاء، كل هذه الجهود قد تصلح لتهدئة الأوضاع، لكنها لا تحل المشكلة التي يبدو أن هناك من داخل الفريقين من يحرص على استمرارها.
وتقول الإحصاءات إن محافظة أسوان لم تسجل حوادث ثأرية منذ عقود، وإن التسامح هو الصفة الغالبة على أبنائها سواء من النوبة أو من غيرهم، وإن ما حدث يعد خروجا عن نسق قيمي وسلوكي لغالبية أبناء المحافظة وهو ما يعزز وجهة نظر الأجهزة الأمنية من أن عناصر إخوانية دفعت الأمور في اتجاه العنف.
غير أن شهود عيان ومن التقيناهم من الفريقين يؤكدون أن احتقانا سابقا شاب العلاقة بين الطرفين كان ما سهل مهمة اتساع دائرة العنف، وأن هذا الاحتقان، الذي تحول إلى ثأر لا يموت إلا بالقصاص، قد يصعب من مهمة احتواء الأزمة التي تحتاج لما هو أكبر من جهود التهدئة ومحاولات المصالحة.
وعلى المستوى الأمني يطرح خبراء أمنيون فكرة فرض حظر تام للتجوال على المنطقة التي يسكنها الطرفان مع إلقاء القبض على عدد من المتورطين في ارتكاب جرائم القتل وتحويلهم سريعا إلى المحاكمة، وهو حل، وإن كان سيوقف ماكينة الانتقام والثأر، لكنه لن يحول دون تجدد الاشتباكات لاحقا، ما قد يحول الهدنة التي تنتهى الأربعاء أو حتى التهدئة المفترضة لمجرد استراحة محارب يواصل بعدها شباب الطرفين معاركهم الثأرية.
أما على المستوى الاجتماعي فقد تسهم جهود وفد القبائل العربية ووفد علماء الأزهر في تطييب الخواطر بما قد يسهم في عقد مصالحة تاريخية تعيد الهدوء لمسرح العمليات وتطوي صفحة صبغت بالدم، وهى جهود تحتاج لحزمة أخرى من الإجراءات الأمنية والقانونية والاجتماعية.
المصدر: وكالات