جاءت أزمة كورونا لتضع الاتحاد الأوروبي أمام اختبار صعب ولتضفي حالة من الغموض حول مستقبل هذا التكتل وما ستؤول إليه الأوضاع بعد انقضاء هذه الأزمة العالمية غير المسبوقة.
ومع تفشي فيروس كورونا كوفيد -19 في القارة الأوروبية، بدا الاتحاد الأوروبي عاجزا عن احتواء الأزمة، ولم تنجح سياساته الوقائية والصحية الاجتماعية في السيطرة على انتشار الفيروس. كما لم يبد القادة الأوروبيون اهتماما كبيرا بهذا الوباء في بداية الأزمة، وهو ما عبرت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسورلا فون دير لاين، عندما قالت إن القادة الأوروبيين “قللوا في البداية من حجم خطورة الفيروس”.
علاوة على ذلك، لم تطفو على السطح روح التضامن الجماعي والتعاون التي تقوم عليها فكرة الاتحاد الأوروبي بل بدت كل دولة منكفية على ذاتها دون التنسيق مع غيرها، واتخذت عددا من الممارسات والقرارات المنفردة، منها غلق الحدود وتطبيق سياسات العزل، وهو ما ألقى بالعديد من التساؤلات حول مدى جدوى استمرار هذا التكتل.
وهنا تأتي إيطاليا، الدولة الأكثر تضررا من “كورونا” على الساحة الأوروبية، والتي وصلت معدلات الإصابة والوفيات بها إلى معدلات قياسية، لتعرب عن استيائها الشديد من تقاعس الاتحاد الأوروبي عن تقديم المساعدة لها، وعدم القيام بما يكفي لدعم المستشفيات وقطاعات الاقتصاد التي دمرها الفيروس.
في هذا السياق.. أكد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، أهمية “عدم ارتكاب الاتحاد الأوروبي أخطاء فادحة” في مكافحة فيروس كورونا المستجد، وإلا فإن التكتل الأوروبي بكامله “قد يفقد سبب وجوده”.
وأشار إلى أن هذه الأزمة “ليست أزمة اقتصادية تمس دولا أقل انضباطا من الأخرى، بل إنها أزمة صحية أثرت على المجالين الاقتصادي والاجتماعي. هذا تحد تاريخي لكل أوروبا”، مضيفا “هذه اللحظة المناسبة لإنشاء آلية دين أوروبية مشتركة تسمح لنا بالانتصار في هذه الحرب (ضد كورونا) في أسرع وقت ممكن وإنعاش الاقتصاد”.
وكانت القمة الأوروبية، التي عقدت الخميس الماضي، قد انتهت دون التوصل إلى نتائج وتم تأجيلها أسبوعين آخرين لاتخاذ قرار حول طريقة التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد.
وحذر رئيس البرلمان الأوروبي، دافيدي ساسولي، الاتحاد الأوروبي بأنه “من دون تضامن، فستصير الروابط والأسباب التي تجمعنا في حكم العدم”.
بدوره، استنكر السفير الإيطالي لدى الاتحاد الأوروبي، ماوريتسو ماساري، موقف الاتحاد من الأزمة قائلا “إيطاليا تركت وحيدة في مواجهة فيروس كورونا، كما تركت وحيدة في مواجهة أزمة اللاجئين”.
ووفقا للمراقبين، فإن أزمة كورونا لعبت دورا بارزا في وقوع انقسام داخل الاتحاد الأوروبي وهو ما سيلقي بظلاله على وضع الاتحاد في المستقبل. فعلى الرغم من الاختلافات في المواقف السياسية بين الأعضاء الأوروبين حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية إلا أن حرب كورونا تعد الأخطر في التأثير على شكل علاقات هذه الدول مستقبلاً.
فمن ناحية.. رفضت ألمانيا ودول شمال أوروبية أخرى مناشدة بعض الدول المنكوبة، وعلى رأسها إيطاليا الأكثر تضررا، من أجل الاقتراض الجماعي من خلال “سندات كورونا” للمساعدة في تخفيف الضربة الاقتصادية للوباء. كما فرضت هذه الدول حظرا على تصدير مستلزمات الوقاية الطبية للخارج، وإن كانت ألمانيا قد وافقت خلال الأيام القليلة الماضية على استقبال مصابين بالفيروس من كل من إيطاليا وفرنسا لعلاجهم في مستشفياتها، وذلك في ضوء الأزمة البالغة التي تشهدها المستشفيات في شمال إيطاليا.
من ناحية أخرى، وفي واقعة غير مسبوقة صادرت جمهورية التشيك شحنة من المساعدات الطبية والأقنعة الواقية كانت قادمة من الصين في طريقها إلى إيطاليا ورغم تأكيد حكومة التشيك إن الأمر لم يكن عن عمد غير أنها لم ترد الشحنة لإيطاليا حتى الآن، وهو ما أثار استياء شديدا من الجانب الإيطالي.
يأتي ذلك في الوقت الذي لعبت فيه كل من الصين وروسيا دورا مهما في تقديم الدعم والمساعدة لإيطاليا حيث أرسلت موسكو طائرات محملة بالمعدات الطبية إلى جانب مجموعة من الأطباء والممرضين لمساعدة إيطاليا في احتواء الفيروس. كما أرسلت بكين طاقما طبيا من الأطباء والخبراء، إضافة إلى معدات طبية وقائية ومعدات عناية مركزة.
ويرى فريق من المراقبين أن تقاعس الاتحاد الأوروبي عن تقديم الدعم المطلوب للدول الأكثر تضررا من الفيروس يرجع إلى عمق هذه الأزمة التي ضربت العالم أجمع، وصعوبة التعامل معها من مختلف الدول. وفي ضوء ذلك فإنه سيصعب على الاتحاد الأوروبي تلبية طلبات جميع الأعضاء خاصة الأكثر تضررا، بالنظر إلى ضخامة حجم الأزمة.. فضلا عن معاناة جميع الدول الأعضاء من نقص حاد على المستوى الصحي مع عدم وصول الاتحاد لتوافق حول آلية واستراتيجية للتصدي للفيروس، وهو ما ترك الباب مفتوحا أمام الدول الأوروبية للتصدي للفيروس كل حسب إمكانياته ورؤيته.
في ضوء المشهد السابق، يبدو جليا أن كورونا ساهم بصورة ملحوظة في جعل المشروع الأوروبي معرضا للخطر حيث أنه أبرز المصالح الوطنية الذاتية على حساب المجموع الأوروبي، كما أظهر أن الأوبئة من الممكن أن تهزم دولاً، وتنهي تحالفات، وتقيم تحالفات جديدة مختلفة.
وإذا كنا في السابق قد اعتبرنا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست” قد مثَل اختبارا حقيقيا لوحدة التكتل، فإن أزمة كورونا تشكل اختبارا أكثر صعوبة وتعقيدا أمام الاتحاد. ووفقا للمراقبين، إذا فشلت أوروبا في تجاوز هذا الاختبار فإنه من المرجح أن تحذو دول أخرى حذو بريطانيا في الخروج من التكتل.
المصدر : أ ش أ