دخلت فنزويلا منعطفا جديدا في أزمتها السياسية الداخلية بعد إعلان رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، خوان جوايدو، نفسه رئيسا انتقاليا للدولة بعد تنحيته بشكل غير قانوني للرئيس نيكولاس مادورو الذي بدوره رد بشكل صارم على التدخلات الخارجية في شؤون بلاده.
هذه الأحداث المتضاربة بين القوى الموالية لمادورو والمعارضة له شكلت منعطفا خطيرا في المجتمع الفنزويلي الذي زاد من حدة انقسامه، كما ساهمت الأزمة الداخلية إلى كشف مدى أهمية دور الدول الكبرى وكيفية إدارتها للأمور والتحكم ببعض مفاصل الحياة السياسية في فنزويلا.
بدا ذلك جليا من خلال التدخل الأمريكي المباشر بشؤون فنزويلا بعد قرار جوايدو حول تسلمه السلطة، فأعربت الدول الغربية وبعض دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية سريعا عن دعمها له ومن دون استشارة أحد أو حتى التفكير لساعات عن الخطوة المتخذة من قبل أحد أبرز المعارضين لمادورو في فنزويلا.
ومن جهة أخرى، رد مادورو على القرار بإعلانه عن محاولة انقلابية جديدة تحاول الولايات المتحدة الأمريكية القيام بها عبر أدواتها في الداخل الفنزويلي، وترجم رد مادورو من خلال طرد الدبلوماسيين الأمريكيين وإغلاق قنصليات وسفارات فنزويلا في أمريكا، كما أعربت دول كثيرة عن دعمها الشرعية في فنزويلا وعلى رأسها مادورو ومن بين هذه الدول روسيا والصين وتركيا وإيران.
ولا شك أن الصراع الداخلي الفنزويلي فتح صراعا جديدا بين الدول الكبرى حول شرعية كل ممن يعتبرونه الرئيس الشرعي في البلاد، فالولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تسعى من خلال جوايدو إلى فتح ثغرة لها في الجدار الاشتراكي لمحاولة تغيير النظام الذي يقاوم الرأسمالية الأمريكية ومخططتها في المنطقة خصوصا في أمريكا اللاتينية.
وبعد نجاح المعارضة الفنزويلية بالانتخابات البرلمانية وتقدمها على مادورو وحلفائه، استولت المعارضة الفنزويلية على السلطة التشريعية من خلال تنصيب خوان جوايدو رئيسا للجمعية الوطنية الفنزويلية الذي أعلن مرارا عن معارضته لمادورو ونظامه السياسي والاقتصادي وأبدى عن مساره الليبرالي في الحكم وعن تقربه من الولايات المتحدة والدول الغربية.
وقد برهنت الأحداث الأخيرة أن جوايدو يتمتع بدعم قوي من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبعض دول أمريكا اللاتينية التي أيدته بتولي المهام الرئاسية المؤقتة في البلاد، لعل الدول المجاورة لفنزويلا هي أكثر ما يجعل جوايدو واقفا ومتحديا مادورو بعد الدعم الكولومبي والبرازيلي له حيث للولايات المتحدة امكانيات دعم وضغط عبر هذه الدول على الصعيد الاقتصادي والمعيشي للإطاحة بمادورو، اذا لم يكن الحل العسكري مطروحاً على الطاولة.
كما تلعب الولايات المتحدة بالعامل الاجتماعي الاقتصادي حيث تحاول من خلال ضعف السياسيات الاقتصادية جر الشعب الفنزويلي للتغيير عبر شعارات وحركات سياسية تحرض على فشل النظام السياسي القائم والدفع بالمواطنين إلى الشارع سعيا للتغيير بالرغم من أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه البلاد هو من جراء الحرب الأمريكية المباشرة على فنزويلا معتبرة أن الضغط الشعبي سيؤدي إلى تأييد شعبي لجوايدو وقد يشكل ذلك عاملا أساسيا في حسم الصراع على السلطة.
لا شك أن بقاء مادورو وطرده الدبلوماسيين الأمريكيين من فنزويلا سيفتح أفق الصراع أكثر وذلك من خلال تعنت الولايات المتحدة بموقفها إزاء جوايدو الذي اعتبرته رسميا وبقاء دبلوماسييها في كاراكاس سيعزز الصراع وبالتالي يمكن للولايات المتحدة أن تجد في الطرد الفنزويلي للدبلوماسيين كذريعة لها للتدخل عسكريا لحماية مواطنيها ودبلوماسييها، وفق ما أكده وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخّرا.
ومن أهم العوامل الداعمة لمادورو اليوم هو الجيش الوطني الفنزويلي الذي أعلن بدوره رفضه لما حصل من “انقلاب” ضد نظام مادورو واعتبره تدخلا بشؤون البلاد الداخلية وأكد على الحفاظ على المؤسسات الحالية وعلى الأمن في البلاد. واثبت الجيش بالفعل ولاءه لمادورو كرئيس حين أحبط محاولة اغتيال للرئيس الفنزويلي عبر طائرات مسيرة، بالإضافة إلى محاولات انشقاق مختلفة باءت بالفشل.
من جهة أخرى يمكن لمادورو ونظامه الاعتماد على الدعم المعنوي من دول كبرى أخرى عبر تدخل غير مباشر من روسيا والصين والمكسيك وكوبا.
ويرى مادورو ذلك من قدرة روسيا على إفشال أي “تصريح رسمي دولي” لقلب الأوضاع في فنزويلا من خلال رفضها أي مشروع دولي قد يبحث في مجلس الأمن بشأن هذه المسألة والسماح باستخدام القوة، وبالتالي يجد مادورو نفسه في موقع ثابت وبعيد عن الخطر.
لكن مواقف الدول الأخيرة صعبت الأمر خصوصا مع انضمام الدول الحدودية للحلف الأمريكي الذي يهدف إلى الإطاحة بمادورو، وقد يكون البحر الكاريبي المنفذ الوحيد للدعم.
وتطرح سيناريوهات عدة للأزمة الراهنة والتي قد تؤدي إلى صراع دولي، فالولايات المتحدة ستكون بين خيارين إما الرهان على “ثورة” وانقلاب شعبي عبر الضغط الاقتصادي، وإما الدخول في حرب أهليّة بعد تسليح المعارضة لمواجهة الجيش وانهاكه عبر عمليات كر وفر واشتباكات في مناطق عديدة.
اما الحلّ الثالث الباقي، فقد يكون أسهل بكثير ويقضي بإجراء مفاوضات مع روسيا حول فنزويلا في حال عدم استعداد الولايات المتحدة للتدخل عسكريا كونه سيجر مشاكل إضافية لها وقد تحصد نتائج عكسيّة لمثل هذه الخطوة.
المصدر: سبوتينك