تهدد أزمة صفقة الغواصات الفرنسية التى ألغتها أستراليا العلاقات بين الدول الغربية الكبرى بزيادة «الاختلال» فى العلاقات الدولية، كما تهدد مجالات التعاون والتنسيق بين تلك الدول داخل مجلس الأمن لمواجهة التحديات الدولية.
وعقد اجتماع غير رسمى لوزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة) مساء أمس الأول، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك.
وكان موضوع أفغانستان محور الاجتماع الذى رتبته وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة، ليز تراس.
وفى ختام الجلسة، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن الدول الخمس تريد كلها «أفغانستان تُحترم فيها حقوق النساء والفتيات، وأفغانستان لا تكون ملاذًا للإرهاب، وأفغانستان تكون لدينا فيها حكومة جامعة تمثّل مختلف شرائح السكان». وعدا هذا الملف، يرى عدد من الخبراء أن الكثير من الملفات المطروحة للبحث فى مجلس الأمن قد تعانى الأزمة الحادة القائمة منذ أسبوع بين فرنسا من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى.
ورفض وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان، الذى حضر إلى نيويورك، عقد أى لقاء على انفراد مع نظيريه الأمريكى والبريطانى قبل المكالمة الهاتفية التى جرت بين الرئيس الأمريكى جو بايدن، ونظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون، واتفق الرئيسان خلالها على إعادة إرساء الثقة والتعاون بين البلدين، وعودة السفير الفرنسى إلى واشنطن، بعدما كانت باريس استدعته للتشاور على خلفية الأزمة.
وأوضح برتران بادى، خبير العلاقات الدولية فى معهد العلوم السياسية فى باريس، أن «أزمة الغواصات هذه تهز المجموعة الثلاثية (الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة)»، معتبرا أنها «أزمة حادة تتعلق بالمفهوم التقليدى للتحالف المنبثق عن الحرب الباردة، والذى لا يزال على حاله تقريبا». وتوقع أن «تتفاقم هذه الخلافات مستقبلا، فى دليل على وجوب تخطى هذا المفهوم القديم للأمن الدولى».
وتضاعف المجموعة فى مجلس الأمن المناقشات حول كل الملفات قبل طرحها للبحث، ويعتبر دورها أساسيا لإبداء جبهة موحدة لاحقا فى سياق المفاوضات بمواجهة روسيا والصين قبل السعى لضم الدول العشر غير دائمة العضوية إلى موقفها.
وقوض الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب هذا التحالف الثلاثى، لكن باريس ولندن كافحتا خلال ولايته ورغم «بريكست» لإبقاء واشنطن بجانبهما فى معظم الملفات.
وحتى لو أتاح نقاش صريح بين ماكرون وبايدن تهدئة التوتر على المدى القريب، فليس من المستبعد أن تضر الأزمة العلاقات الفرنسية -الأمريكية بسير عمل مجلس الأمن والنهج الغربى بالأساس.
وقال ريتشارد جوان، اختصاصى الأمم المتحدة فى مجموعة الأزمات الدولية إن «العلاقات داخل المجموعة الثلاثية لطالما كانت معقدة»، مضيفا: «لا أعتقد أن الغواصات ستغرق المجموعة».
وينقسم الخبراء حول ما إذا كانت بكين وموسكو ستغتنمان الانقسامات الغربية لمحاولة ضم فرنسا إلى صفّهما، ورأى «جوان» أنه «ليس هناك بكل بساطة ما يكفى من المصالح المشتركة بين القوى الثلاث، ففرنسا عالقة مع لندن وواشنطن حتى لو أنها علاقة معقدة».
من جهته، لفت برتران بادى إلى أن «روسيا والصين تتبعان منذ بعض الوقت (دبلوماسية التقاط ما أمكن)، وتستندان إلى اتفاقات ظرفية أكثر منها إلى الالتزامات الثابتة الناتجة عن دبلوماسية المحاور»، متوقعا أن «تحصل بالطبع محاولات اصطياد دبلوماسى باتجاه فرنسا».
وقد تعمد فرنسا- المعزولة بين المعسكرين الأمريكي- البريطانى من جهة، والروسي- الصينى من جهة أخرى- إلى التوجه للأعضاء غير الدائمين فى مجلس الأمن بحثا عن دعم فى الملفات الحساسة، ومن بين هؤلاء الأعضاء حاليا الهند التى تحاول فرنسا منذ وقت طويل تطوير شراكة استراتيجية معها.
وقرر «ماكرون» عودة سفير بلاده لدى الولايات المتحدة، واشنطن، فيليب إتيان «الأسبوع المقبل»، بعد تواصله هاتفيا مع بايدن بشأن أزمة الغواصات، بحسب بيان مشترك صادر عن الإليزيه والبيت الأبيض. وركزت المكالمة على ظروف فسخ أستراليا قبل أسبوع «عقد القرن» لشراء غواصات فرنسية، إثر قيام تحالف «أوكوس» الاستراتيجى الجديد بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.
وتوافق ماكرون وبايدن خلال المكالمة على أن إجراء «مشاورات مفتوحة بين الحلفاء كان من شأنه تفادى» أزمة الغواصات. وقال البيان الفرنسى الأمريكى إن «الرئيس بايدن أبلغ ماكرون التزامه الدائم فى هذا الصدد»، مضيفا أن الرئيسين الأمريكى والفرنسى اللذين سيلتقيان «فى أوروبا نهاية شهر أكتوبر المقبل»، «قررا إطلاق عملية تشاور معمق تهدف إلى تأمين الظروف التى تضمن الثقة»، كما اعتبر بايدن أنه «من الضرورى أن يكون الدفاع الأوروبى أقوى وأكثر كفاءة» للمساهمة فى الأمن عبر المحيط الأطلسى وإكمال «دور الحلف الأطلسى»، وأضاف البيان أن الولايات المتحدة «تؤكد مجددا أن التزام فرنسا والاتحاد الأوروبى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ له أهمية استراتيجية».
وبدورها، قالت جين ساكى، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن مكالمة الرئيس جو بايدن الهاتفية مع نظيره الفرنسى استمرت 30 دقيقة وكانت ودية.
وتم الاتصال بين ماكرون وبايدن فى وقت أبدت فيه فرنسا استياءها الشديد بعد الإعلان فى 15 سبتمبر الجارى عن قيام تحالف استراتيجى جديد بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة يعرف باسم «أوكوس»، مما أدى إلى فسخ عقد ضخم لبيع غواصات فرنسية لكانبيرا بقيمة 40 مليار دولار، واستبدلت به أستراليا صفقة غواصات تعمل بالطاقة النووية.
وبدوره، دعا رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون فرنسا إلى الهدوء، وقال لوسائل إعلام بريطانية خلال زيارته إلى واشنطن: «أعتقد أن الوقت حان لبعض أعز أصدقائنا فى العالم ليتمالكوا أنفسهم بشأن هذه المسألة برمتها»، وأضاف معلقًا على تحالف «أوكوس» إنه «بشكل أساسى تقدم كبير من أجل الأمن العالمى. إنهم ثلاثة حلفاء يتقاسمون فعلا القيم ذاتها، يرصون الصفوف وينشئون شراكة جديدة لتقاسم التكنولوجيا».
وتابع أن الشراكة «ليست حصرية ولا تحاول إقصاء أىٍّ كان، لا تهدف إلى التصدى للصين على سبيل المثال، بل تهدف إلى تكثيف الروابط والصداقة بين ثلاث دول بشكل سيكون مفيدا لكل ما نؤمن به».
المصدر: وكالات