كشف الأثري ولاء الدين بدوى رئيس قسم العصر الحديث والمعاصر بالمتحف القومى للحضارة عن عدة أسباب تاريخية لإنشاء قناة السويس القديمة والتى تعد أسرع ممر بحري بين أوروبا واسيا وتوفر نحو 15 يوما في المتوسط من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
واستعرض بدوى فى ذكرى مرور 59 عاما على تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956 أسباب إنشاء قناة السويس والتى جاء فى مقدمتها المنافسة التجارية التى كانت محتدمة بين القوي الكبري منذ القرن الخامس عشر للوصول إلي طرق مؤدية من أوروبا إلي المشرق لقطع الطريق علي الوسطاء المسيطرين علي هذه التجارة وهم الإيطاليين بصفة خاصة الذين كانوا يجلبون البضائع القادمة من المشرق والتي تباع في أسواق مصر إلي أوروبا , وبالفعل اكتشف البرتغاليون طريق رأس رجاء الصالح سنة 1488 م مما أدي إلي تحول طريق التجارة عن مصر و إنهيار دولة المماليك عام 1517 م , وإضمحلال جنوه والبندقية الإيطاليتين.
وذكر أن الإيطاليين أوعزوا إلي المماليك شق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط لمنافسة طريق رأس رجاء الصالح البحري, و لما علم البرتغاليون بذلك هددوا المماليك بالاتفاق مع الأحباش علي تحويل مجري مياه النيل عن مصر إلي البحر الأحمر , مشيرا الى أن القوي الكبري ظلت تسلك طريق رأس رجاء الصالح للوصول إلي الهند.
وقال إنه في سياق هذه المنافسة الشرسة جاء نابليون إلي مصر على رأس الحملة الفرنسية(1798م – 1801م) وأمر علمائه بدراسة إمكانية شق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط للسيطرة علي أقصر الطرق للشرق , ولكن كبير مهندسي الحملة لوبير أشار الى أن البحر الأحمر غالبا أعلي مستوي من البحر المتوسط واقترح شق قناة من خليج السويس إلي القاهرة ثم تتصل بالبحر المتوسط عن طريق توصيله إلي فرع النيل إلي دمياط و أخري إلي فرع النيل إلي رشيد , موضحا أن خسارة فرنسا لأسطولها في معركة أبي قير سنة 1798م عجل بخروج الفرنسيين من مصر ولم يكتب للمشروع التنفيذ.
وأضاف رئيس قسم العصر الحديث والمعاصر بالمتحف القومى للحضارة انه عقب ذلك عاد الفرنسيون لاقتراح المشروع علي محمد علي عام 1833م , خاصة أن العالم الفرنسي لينان
بك , الذي كان في خدمة مصر أيام محمد علي قد قرر بعد مراجعات وقياسات لمستوي البحرين أن البحرين في مستوي واحد تقريبا , وتردد محمد علي في موضوع شق القناة لما
يعلمه من الصراع الشرس الدائر بين القوي الكبري علي الممرات المائية في العالم
وقال جملته الشهيرة لا أريد بوسفورا آخر في مصر ولكن عندما استشار محمد علي الأمير دي مترنيج كبير وزراء النمسا أشار عليه أن يبرم معاهدة دولية بين القوي الكبري تحفظ حرية العبور في القناة لكل السفن و حيادها.
وتابع أن إنجلترا المعادية لمحمد علي وفرنسا فى ذلك الوقت وقفت ضد إبرام مثل هذه المعاهدة , ولم تبرم هذه المعاهدة إلا في عام 1888 م و صدقت عليها بريطانيا في 1904م , وجاء فردينان دليسيبس إلي مصر قنصلا لفرنسا في الإسكندرية عام 1832م في عهد محمد علي, و كان محمد علي يدين بالفضل لأبوه ماتيو ديليسبس الذي ساعد في تدعيم مركزه و تثبيته واليا علي مصر من قبل الباب العالي , لذلك قرب محمد علي ابنه فردينان إلي أسرته حتي أنه لازم سعيد باشا في طفولته و شبابه.
وأشار الى أن فكرة إحياء مشروع شق القناة لدليسبس جاءت من مسيو ميمو قنصل فرنسا السابق في مصر وقرر أن يفاتح بها الوالى محمد سعيد باشا مستغلا قربه منه , وتحمس
سعيد للفكرة بشدة ووافق ديليسبس علي إصدار فرمان مبدئي يحدد شروط الامتياز وما للحكومة المصرية وما عليها من واجبات , وصدر الفرمان في 30 نوفمبر 1854م , وبعدها باربعة أعوام أصدر سعيد باشا قرارا بتحديد أجور العمال المصريين وأعدادهم وكيفية شغلهم والعناية بهم وبصحتهم.
ولفت ولاء الدين بدوى رئيس قسم العصر الحديث والمعاصر بالمتحف القومى للحضارة الى أنه في 15 نوفمبر 1858م صدر الاكتتاب العام في شركة قناة السويس واستمر 15 يوما حتي 30 نوفمبر , و طرح في الاكتتاب 400 ألف سهم بواقع 500 فرنك للسهم الواحد , و كانت نتيجة الإكتتاب 207 الاف و111 سهما لفرنسيين , و 177الفا و642 سهما لمصريين , والباقي لمساهمين من اسبانيا و إيطاليا و الدولة العثمانية و هولاندا و روسيا , و بذلك تكون فرنسا لها الأغلبية في مجلس الإدارة و إدارة القناة , حيث كانت تمتلك مصر حوالي 44 % من أسهم شركة القناة و 15% من أرباحها بخلاف أرباح أسهمها .
وأكد أن انجلترا عارضت مشروع القناة معارضة شديدة ووضعت أمامه العراقيل سرا وعلانية علي الرغم أنه كان يخدم مصالحها , و لكنه كان يخدم مصالح خصومها أيضا , ولكن دليسبس
حصن المشروع بمؤيدين في أوروبا من فرنسا والنمسا وعند الباب العالي في الآستانة و استخدم الدعاية المضادة لدحض حجج إنجلترا في معارضتها للمشروع وحملات التشكيك التي كانت تشنها لتثني المستثمرين من المشاركة في الاكتتاب علي اسهم القناة , فأرسل الباب العالي إلي الخديوى اسماعيل (1863م – 1879 م) , يأمره باستعادة الأراضي الزائدة عن حاجة المشروع ترعة المياه الحلوة و حذف تعهد الحكومة توريد الأنفار المصريين للعمل في المشروع و إلا فلن يصدق علي فرمان الامتياز.
وقال إنه مع ضغط الباب العالي أضطر الخديو اسماعيل إلي دفع ملايين كتسويات لتقبل الشركة التنازل عن الأراضي الزائدة وترعة المياه الحلوة وخفض العمالة المصرية المتفق عليها من 20 ألف عامل إلي 6 آلاف عامل فقط , وخسرت مصر أموالا طائلة لاستعادة ما كان سعيد باشا قد منحه مجانا للشركة , فبلغ مجموع التسويات التي دفعتها مصر 84 مليون فرنك وشكلت هذا ضربة شديدة للمالية المصرية.
وأضاف انه لم يتوقف الأمر عند هذا الحد , و إنما أرادت الحكومة أن تتنازل لها الشركة عن الأراضي المجاورة للمدن الجديدة والمستشفيات التي تدخل ضمن حيز الامتياز فقبلت الشركة مقابل 30 مليون فرنك تدفعها الحكومة للشركة , ولكن الحكومة التي بدأت تعاني عجزا في الميزانية لم تجد ما تدفعه فتنازلت عن كوبونات أسهمها في شركة القناة (أرباح الاسهم) لمدة 25 سنة , ومما زاد من أزمة مصر المالية إنفاق مبلغ مليون ونصف جنيه علي حفل افتتاح القناة في 17 نوفمبر 1869م , الذى كان حفلا إسطوريا بكافة الاشكال .
وأوضح رئيس قسم العصر الحديث والمعاصر بالمتحف القومى للحضارة انه في عام 1875 مرت بمصر أزمة مالية طاحنة اضطر معها الخديو اسماعيل إلي بيع حصة مصر من أسهم القناة للحكومة الإنجليزية بمبلغ مائة مليون فرنك في 25 نوفمبر 1875م , وبذلك حلت الحكومة الإنجليزية محل المصرية في ملكية شركة قناة السويس , ولكن الأزمة المالية لم تنفرج ,
وأرسلت الدول الدائنة لجنة لفحص الحالة المالية في مصر لتصفية الديون التي تدين بها مصر لدول نادي باريس وكان مؤمن علي هذه الديون بأرباح مصر (15%) من شركة القنال فقررت اللجنة بيع حصة مصر من الأرباح نظير مبلغ 22 مليون فرنك , و بذلك خسرت مصر حصتها من اسهم القناة و حصتها في الأرباح في ظرف 6 سنوات من افتتاح القناة.
وأشار الى أنه في عام 1910 تقدمت شركة القنال بطلب للحكومة المصرية لمد امتياز شركة قناة السويس الذي كان سينتهي في17 نوفمبر 1968 لمدة 40 عاما أخري تنتهي عام 2008
, ووقفت الحكومة البريطانية وسلطة الاحتلال موقف المؤيد لمد الامتياز خاصة وأن الحركة الملاحية بالقناة بدأت تتضاعف حتي بلغت عام 1889 ضعف ما كانت عليه عام 1881 و تضاعفت مرة أخري عام 1911 , وكانت البضائع البريطانية تمثل 6ر78 % من مجموع البضائع المارة بالقناة , و لكن الحركة الوطنية المصرية بقيادة محمد فريد قادت هجوما كاسحا علي طلب المد وشحنت الرأي العام ضده , حتي أن إبراهيم الورداني الذي قام باغتيال رئيس الوزراء بطرس غالي باشا سنة 1910 صرح من ضمن اعترافاته أنه أقدم علي فعلته لعدة أسباب منها ما ذكره من سعي بطرس غالي باشا لمد امتياز القناة.
وقال رئيس قسم العصر الحديث والمعاصر بالمتحف القومى للحضارة إنه في يوم 26 يوليو 1956 أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, في ميدان المنشية بالإسكندرية, قرار تأميم شركة قناة السويس , بعد أن سحبت الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالي , ثم تبعتها بريطانيا والبنك الدولي , وقدمت بريطانيا على إثر القرار احتجاجاk رفضه جمال عبد الناصر على أساس أن التأميم عمل من أعمال السيادة المصرية , فقامت هيئة المنتفعين بقناة السويس بسحب المرشدين الأجانب بالقناة لإثبات أن مصر غير قادرة على إدارة القناة بمفردها , إلا أن مصر أثبتت عكس ذلك.
وأضاف انه عقب إعلان تأميم القناه قامت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بتدبير مؤامرة ثلاثية على مصر أطلق عليها المصريون العدوان الثلاثي , والذى بدأ بهجوم مفاجئ يوم 29 أكتوبر 1956, وقد تعرضت القناة للإغلاق خمس مرات , كان آخرها بسبب حرب عام 1967م , حيث استمرت مغلقة طيلة ثماني سنوات إلي أن أعيد فتحها للملاحة بعد انتصار اكتوبر 1973 في 5 يونيو عام 1975 .
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )