أكد الدكتور محمد رأفت عباس مدير عام إدارة البحث العلمي بمنطقة آثار الأسكندرية أن تمثال رمسيس الثاني الذي سيتم نقله اليوم /الخميس/ للبهو العظيم بالمتحف المصري الكبير، يعد واحدا من أهم وأشهر آثار منف (ميت رهينة)؛ حيث تم العثور عليه في معبد بتاح الكبير عام 1888، قبل أن ينقل إلى ميدان باب الحديد عام 1954، الذى حمل اسمه فيما بعد ليصبح ميدان رمسيس، واستقر به المطاف أخيرا فى 25 اغسطس 2006 بالمتحف الكبير .
وقال الدكتور عباس – في تصريح لوكالة انباء الشرق الأوسط اليوم الخميس – إن مئات الملوك حكموا مصر عبر تاريخها القديم، لكن من خلدوا في الذاكرة فقط، هم من خلدوا مصر فى عهدهم، فخلدتهم ذاكرة الأمة بعد رحيلهم، ومنهم الملك رمسيس الثاني الذي كان دائما يستعيد تكريم شعبه وإجلاله له حتى بعد آلاف السنين على رحيله، لافتا إلى أن الاحتفال اليوم بعملية نقل تمثاله، يعد الرابع الذى يشهده المصريون والعالم بعد وفاته .
كما أوضح أنه تم استخراج توابيت المومياوات الملكية من خبيئة الدير البحري بالبر الغربي بطيبة (الأقصر) في 11 سبتمبر عام 1881، وكان من بينها مومياء الملك رمسيس الثاني التي تم العثور عليها، وبعد مرور ثلاثة أيام وصلت السفينة المبعوثة من جانب السلطات المصرية، وبأمر من عالم المصريات الفرنسي الشهير جاستون ماسبيرو لنقل هذه المومياوات إلى القاهرة .
وتابع أنه حين كانت السفينة تمر عبر نهر النيل بين الأقصر وقفط، شاهد الفلاحون المصريون الموكب مثلهم كمثل أسلافهم في الماضي البعيد، والذين كانوا يشاهدون مواكب الجنازات الملكية المهيبة الجليلة، فإذ هم يعبرون عن إجلالهم وتوقيرهم لمومياء ملك مصر، بل ويعبرون عن حزنهم أيضا، فقامت النساء الفلاحات على ضفاف النيل بإطلاق نحيبهن وعويلهن ويهلن الأتربة فوق شعورهن، أما الرجال فراحوا يطلقون الأعيرة النارية احتفاء بهذه المناسبة العظيمة، وذلك كما تحدثت عالمة المصريات الفرنسية كريستيان ديروش نوبلكور عن تلك اللحظة في كتابها الشهير عن رمسيس الثانى .
وأضاف أن الإجلال والتقدير للملك رمسيس لم يقتصر على المصريين فحسب، ففى عام 1976، تقرر سفر مومياء الملك رمسيس إلى باريس لعلاجها من بعض الأضرار التي لحقت بها ولإقامة معرض “رمسيس العظيم” في العاصمة الفرنسية باريس، واستقلت المومياء طائرة عسكرية فرنسية من طراز بروجيه ذات الطابقين، بعد أن غادرت المتحف المصري في حراسة نخبة من خير جنود مصر تحت حراسة ضابط مصرى يدعى (رمسيس) هو الآخر.
وتم استقبال المومياء في فرنسا استقبال الملوك والرؤساء الرسميين من قبل الحرس الجمهوري الفرنسي، ووقف في مقدمة استقبال مومياء الملك مبعوثة الرئيس الفرنسي وقائد القوات المسلحة الفرنسية وسفير مصر بفرنسا، وعزف النشيد الوطنى المصري، تحية للفرعون المحارب، وأطلقت المدفعية الفرنسية تحيتها للضيف الكبير.
وأشار الدكتور محمد رأفت إلى أنه في الطريق إلى متحف” الإنسان” بباريس – مقر علاج مومياء الملك رمسيس الثاني – دارت عربته دورة كاملة حول مسلة الفرعون العظيمة بميدان الكونكورد، والتي قد أهداها محمد على باشا والي مصر إلى فرنسا، وكأنه إعلان عظيم عن وصول مصر وحضارتها إلى قلب أوروبا، وأن تاريخ مصر وذكرى الملك رمسيس الثاني باقية أبد الدهر.
وأكد أنه عندما تقرر نقل تمثال الملك رمسيس الثاني الشهير من ميدان رمسيس إلى المتحف المصري الكبير في 2006، تحول موكب نقل التمثال ورحلته الطويلة، إلى احتفالية شعبية مصرية كبرى تجاوزت العشر ساعات، ووقف الآلاف من المصريين في شوارع القاهرة ليلا وحتى بزوغ شمس الصباح، حاملين أعلام مصر، ومحيطين بالسيارة التي تنقل تمثال الفرعون إلى مساره الجديد عبر الطريق، ابتهاجا واحتفالا وتحية له فى كل متر قطعه الموكب المهيب.
وعن الملك رمسيس الثاني، قال الدكتور محمد رأفت عباس إن فترة حكمه تجاوزت 67 عاما (1279 – 1213 ق. م)، وتكاد لا تخلو أى منطقة أثرية في مصر – من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها – من آثار تحمل اسمه؛ حيث كان واحدا من أعظم الملوك البنائين على الإطلاق، مشيرا إلى آثاره العظيمة في معبدي الكرنك والأقصر بطيبة، ومعبده الجنائزي المعروف ب”الرمسيوم” بغرب طيبة، وفي منف، ومعبده في أبيدوس، ومعابده النوبية العظيمة في أبوسمبل وبيت الوالي وعكشا وجرف حسين ووادى السبوع.
وأضاف مدير عام إدارة البحث العلمي بمنطقة آثار الإسكندرية أن الملك رمسيس الثاني قام بتشييد عاصمة عظيمة لمصر في شرق الدلتا، والتي حملت اسم “بر رعمسيس مرى آمون” أى “بيت رمسيس محبوب آمون ” في موقع قنتير الحالية، وكان والده الملك العظيم سيتي الأول هو أول من بدأ في بناء هذه العاصمة الجديدة ، لكن رمسيس الثاني هو من أكملها وجعلها واحدة من أعظم وأكبر مدن مصر والشرق القديم؛ حيث كانت شاهدة على أحداث وأمجاد عهده الطويل .
وأوضح أن رمسيس الثاني كان واحدا من أعظم الملوك المحاربين على الإطلاق في تاريخ مصر القديمة؛ حيث خاض القتال أمام أكبر قوة عسكرية فى عصره على الإطلاق، والتى تمثلت في الإمبراطورية الحيثية القابعة في آسيا الصغرى، والتي امتد نفوذها السياسي والعسكري إلى سوريا الشمالية، واصطدم معهم في أكبر معركة في تاريخ العالم القديم المتمثلة في معركة “قادش” التي وقعت في العام الخامس من عهده في مدينة قادش بشمال سوريا، وتمكن فيها من تحويل الهزيمة المحققة في بداية القتال إلى نصر ميداني في أرض المعركة بفضل شجاعته الأسطورية.
كما أضاف أنه في أعقاب معركة “قادش”، واصل الملك رمسيس الثاني حملاته الحربية وانتصاراته في سوريا وكنعان (فلسطين)، ونجح في مجابهة النفوذ الحيثي في المنطقة، وتمكن من استعادة النفوذ السياسي والحربي لمصر في منطقة الشرق الأدنى القديم، بعد أن تعرض هذا النفوذ لهزة عنيفة منذ عهد العمارنة؛ حيث قام بإعادة غزو بلاد كنعان ( فلسطين ) ومناطق الساحل الفينيقي، وبلغ قمة مجده الحربي بغزو مدن دابور وتونيب في شمال سوريا، واللتان كانتا تحت سيطرة النفوذ الحيثي منذ فترة طويلة، لافتا في الوقت نفسه إلى أن نقوش الفرعون في معابد الكرنك الرمسيوم والأقصر، تدل على فتوحاته العسكرية وبطولاته الخالدة التي أعقبت ملحمة “قادش”.
وأشار الدكتور محمد رأفت عباس إلى أنه في نهاية الصراع السياسي والحربي العنيف مع الحيثيين، وافق على طلب الحيثيين بعقد معاهدة السلام والتحالف معهم، منهيا 50 عاما من الصراع السياسي والحربي العنيف بين القوتين الكبرتين في منطقة الشرق الأدنى القديم، وعقد في العام ال 21 من عهده معاهدة السلام مع الملك الحيثي خاتوسيل الثالث، والتي توجها بزواجه من ابنة الملك الحيثي في العام ال ـ34 من عهده، والتي أطلق عليها الاسم المصري (مات حر نفرو رع) تكريما لها… مؤكدا أن الملك رمسيس الثاني كان عظيما في سلمه كما كان عظيما فى حربه .
وأكد أن رمسيس الثاني وشخصه وتاريخه، تحول عبر عشرات السنين إلى هدف واضح للكراهية والازدراء والتشويه من قبل الكثير من الحاقدين على حضارة مصر القديمة وتاريخها وتراثها، مشيرا إلى أن المؤرخين الصهاينة عملوا على مدار السنوات الماضية، ومن يدور من فلكهم من وسائل إعلام ودور إنتاج سينمائي، على وصم شخصية رمسيس الثاني بشتى الطرق، متهمينه بأنه فرعون التسخير لبنى إسرائيل تارة، أو بوصفه كفرعون للخروج تارة أخرى، وذلك دون أن يكون هناك أى دليل علمي أو أثري أو تاريخي على تلك الافتراءات والأكاذيب .. معربا عن أسفه لوجود من يتبع تلك الافتراءات والأكاذيب بسذاجة تارة، وعن سوء قصد تارة أخرى، دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة القراءة والمعرفة وتقصي الحقائق التاريخية.
المصدر:أ ش أ