تأتي ذكرى مذبحة “بحر البقر” الـ 43 أليمة ويتذكر المصريون كل عام بشاعة ما ارتكبه العدوان الإسرائيلي وعدم تفريقة بين المدنيين والعسكريين.
تبدأ فصول العدوان عندما تقرر دولة الاحتلال الإسرائيلي ذات يوم مباغتة عمال مصريين خرجوا كعادتهم كل صباح ناحية مصنعهم الذي يقع في منطقة «أبو زعبل»، لكن طائرات إسرائيلية من طراز (فانتوم) حلقت فوق رؤوسهم لقصف مصنعهم “المدني”.
ضربت الطائرات الإسرائيلية المصنع بقنابل “النابلم” الحارقة بالإضافة لصواريخ قضت في الثامنة وعشرين دقيقة من صباح 12 فبراير 1970، على أرواح 89 عاملاً.
وخرج وقتها المتحدث العسكري الإسرائيلي ليعلن “يبدو أن أحد الطيارين أخطأ وأصاب هدفًا مدنيًا”، ثم ألقى التهمة على “خلل فني”، فأوضح “الطائرات الإسرائيلية ألقت قنابلها خارج الهدف المحدد بسبب خلل فني”.
وجاءت ردود الفعل آنذاك تشجب وتندد وتدين، وقال السفير عصمت عبد المجيد، الذي كان يشغل منصب المتحدث باسم الجمهورية العربية المتحدة “ها أنتم ترون أن المصنع بعيد عن أي معسكرات أو أهداف عسكرية، وبه 2600 عامل كلهم من المدنيين”، معتبرًا غارة إسرائيل الغاشمة “استمرار خطير في تصعيد إسرائيل لعملياتها الحربية لتمشل الأهداف المدنية والمدنيين”.
وعلق أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين، قائلاً “منظرنا الآن لا يسر، وسيكون علينا أن نبذل جهدًا كبيرًا لتعويض آثار هذا الخطأ”.
ولم يكد يمر أكثر من شهرين حتى بذلت إسرائيل جهدًا أكبر يعبر عن إجرامها الوحشي الذي تتقن فنونه ضد أعدائها، فارتكبت أقبح جريمة حيث حلقت بخمس طائرات “فانتوم” فوق مدرسة بحر البقر الإبتدائية المشتركة، التي تقع بمركز الحسينية، في محافظة الشرقية، في التاسعة وعشرين دقيقة من صباح الأربعاء، 8 أبريل 1970، لضرب أطفال المدرسة.
كانت المدرسة تتكون من دور واحد وتضم ثلاثة فصول وعدد تلاميذهـا 130 طفلاً أعمارهم تتراوح من 6 أعوام إلى 12 عامًا، لكن الطلاب لم يكن في خاطرهم أنه سيكون يومهم هذا هو آخر يوم يغلقون فيه “كراريسهم”.
قتلت إسرائيل في غارتها 30 طفلاً ومُدرسًا، كما أصيب 11 شخصًا من العاملين بالمدرسة، ووقتها نشرت صحيفة “الأهرام” على صدر صفحتها الأولى “العدو يتبجح ويدعي أنه لم يضرب غير مواقع عسكرية”.
وخرج متحدث عسكري إسرائيلي يؤكد أن الطيارين الإسرائيليين التزموا بـ”الدقة في ضرب الأهداف العسكرية وحدها”، معلنًا في الوقت نفسه أنهم سيحققون في الأمر.
مات الأطفال المصريون بـ”دم بارد” بواسطة طائرات قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لطفلتها المدللة “إسرائيل”، وسارت أمريكا على درب مثل مصري قديم يقول “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”، حيث وصفت وزارة خارجيتها الهجوم الذي تسبب في استشهاد تلاميذ مدرسة “بحر البقر” بـ”أنباء مفزعة”، كما أضافت “إذا تأكدت هذه الأنباء فإن هذه الحادثة الأليمة تعتبر عاقبة محزنة يؤسف لها من عواقب عدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إطلاق النار”.
ركزت وزارة الخارجية الأمريكية على قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، ولم تُشر في بيانها المعلق على الجريمة بضرورة التزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة التي ضاعت في غفلة، يونيو 1967.
وكان موقف الخارجية البريطانية بلا معنى فلم تنطق بكلمة، واكتفت بانتظار تقرير من سفارتها بالقاهرة حتى تعلق على الأحداث، ثم عبرت عن أسفها عما حدث.
وقتها لم تجد إسرائيل أي ضرر أو تنصل من جريمتها بل استباحت ما فعلته في حق أطفال أبرياء، وخرج أكبر رأس في جيشها، موشى ديان، ليتحدث إلى راديو “إسرائيل”، قائلاً “المدرسة التي ضربتها طائرات الفانتوم هدف عسكري”، وبعث يوسف تكواه، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، برسالة للمنظمة الدولية، كتب فيها “تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الكاكي اللون، وكانوا يتلقون التدريب العسكري”.
وأكمل راديو “إسرائيل” نغمة الاتهامات الظالمة في حق أطفال المدرسة، فزعم أنهم “كانوا أعضاء في منظمة تخريبية عسكرية”.
وكان رد الخارجية المصرية يتلخص في مخاطبة الأمم المتحدة لتعريفها بحقيقة الوضع، فضلا عن اجتماع وزير الخارجية وقتها بسفراء دول العالم داخل القاهرة.
ودخلت الاتحاد السوفييتي على الخط ليعتبر ما فعلته إسرائيل بمثابة “غضب العاجز”.
وربما كانت “موسكو” على حق في وصفها، حيث ذكرت وكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية، قبلها مأساة “بحر البقر” بيوم، أن الجيش المصري تسبب في إلحاق “أكبر خسائر” بالقوات الإسرائيلية خلال الشهور الأخيرة، حيث نجحت القوات المصرية في نصب كمين على جبهة قناة السويس تسبب في مقتل 3 جنود إسرائيلين وجرح 6 آخرين، لكن إسرائيل عندما أرادت اختيار حق الرد فلم تعارك جيشًا بل ذهبت للانتقام من أطفال مدرسة “بحر البقر”، وكان “ردًا عاجزًا”.
المصدر: المصري اليوم