أثار مقتل زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي أبو بكر البغدادي، في غارة نفذتها قوات أمريكية في إدلب بسوريا، العديد من التساؤلات حول مستقبل التنظيم الذي تبني العديد من العمليات الإرهابية التي تمثلت في التفجيرات وعمليات القتل الجماعي في أنحاء عديدة بالعالم.
واتفق الخبراء والمحللون على أن مقتله سوف يفرض معطيات جديدة سواء فيما يتعلق بالمسارات التي سوف تتجه إليها الحرب على التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم “داعش”، أو فيما يتصل بمدى تماسك التنظيم من الداخل، إلا أن غياب البغدادي عن المشهد فقط ليس كافيا لاستئصال التهديد في منطقة الشرق الأوسط وحتى العالم.
انتعاش القاعدة وإعادة هيكلة داعش
في سياق تحليل المشهد بعد مقتل البغدادي، ينقسم المحللون بين اتجاهين ، الأول يرى أن الفترة المقبلة ستشهد عودة تنظيم “القاعدة” لتصدر المشهد الإرهابي، كوريث لبقايا “داعش”، بعد مقتل البغدادي، وستتراجع كثير من التنظيمات الإرهابية المحلية عن مبايعتها لـ”داعش”، وتعود لراية “القاعدة” مرة أخرى، ولن يكون أمام دول المنطقة من سبيل للتخلص من ظاهرة التطرف العنيف، إلا من خلال وقف الصراعات المسلحة، وشروعها في برامج للإصلاح، وتمكين الاستقرار والديمقراطية.
ويستند أنصار هذا الاتجاه إلى أن مقتل زعيم التنظيم الإرهابي لن يؤدي إلى اختفاء التنظيم ، ويضربون مثالًا على ذلك بعدم اندثار تنظيم “القاعدة” بعد مقتل زعيمه السابق “أسامة بن لادن” في عام 2011، حيث لا يزال لدى “داعش” الكثير من الفروع النشطة ولديها قدرة على تنفيذ هجمات إرهابية.
وفي ظل توقع بعض الدول الغربية أن يثأر أتباع التنظيم لمقتل زعيمه، فقد بدأت في اتخاذ الإجراءات الأمنية الاحترازية، ولا سيما مع تحذير وزير الداخلية الفرنسي “كريستوف كاستانير” من هجمات انتقامية محتملة عقب مقتل “البغدادي”.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن مقتل البغدادي سيكون له تأثير على التنظيم لا يمكن إنكاره، ولا سيما في وقت يعاني من مرحلة من الاندثار بعد فقدانه الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، وأنه في ظل الأزمات الداخلية والهيكلية التي تواجه التنظيم ربما يتعرض للتشظي.
وربما يشكل هلاك البغدادي، ضربة كبيرة لمعنويات فلول التنظيم، ويساعد على تفكيك إطاره القيادي وهيكله التنظيمي، ويضعف جبهته الداخلية إلى حد كبير، وقد يثير اقتتالا داخلياً حول من سيتولى قيادة التنظيم في المستقبل، ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن التنظيم سيواجه “فشلا استراتيجيا” كما حدث مع تنظيم القاعدة، فالقاعدة لم تختف بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن.
ووفقاً للخبير في قضايا مكافحة الإرهاب بالمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة لي وي، فإن سيطرة تنظيم “داعش” على فروعه في جميع أنحاء العالم ستضعف في المستقبل بعد رحيل البغدادي، وأن الفروع ستكون أكثر استقلالية ومحلية في اتخاذ قراراتها. ومن بين عدة توجهات قد يتخذها مسلحو تنظيم “داعش” بعد تفككه، حذر لي وي أكثر من “خطر عودة المتشددين إلى بلدانهم الأصلية واحتمال تنفيذ عمليات انتقامية أو تكوين جماعات إرهابية أصغر”.
وقال لي وي “أن مواصلة الضغط على التنظيم ومطاردة أتباعه وموارده ومواده أمر ضروري وثمة مخاوف متنامية في حال نجح بعض المتشددين في الوصول إلى أوروبا وأماكن أخرى لشن هجمات كما حدث في وقت سابق في لندن وباريس وعواصم أخرى، ومع بدء العملية الأخيرة التي شنتها تركيا في شمال سوريا، حذر مسؤولون وخبراء من دول عديدة من خطر عودة التنظيم”.
ولا شك أن مقتل البغدادي في حد ذاته من شأنه أن يعزز ثقة المجتمع الدولي بجهوده في مكافحة الإرهاب ويدفع عملية مكافحة الإرهاب بشكل إيجابي في الشرق الأوسط وخاصة فى سوريا.
خليفة البغدادي
لعل من أبرز التساؤلات التي أثارها المحللون بعد مقتل البغدادي تدور حول الخليفة المحتمل له لقيادة التنظيم، وقد رجحت التحليلات السياسية أن تؤول زعامة التنظيم إلى عبد الله قرداش، والذي كان قد رشحه البغدادي في أغسطس الماضي خليفة له لزعامة التنظيم.
وجاء هذا الترشيح ، حينئذ ، بعد نحو أربعة شهور من آخر ظهور للبغدادي، في التاسع والعشرين من شهر أبريل الماضي؛ الذي توعد خلاله الولايات المتحدة الأمريكية بمزيد من الأعمال، كما عد تفجيرات سريلانكا التي راح ضحيتها العشرات بمثابة ثأر لما حصل في منطقة الباجوز في سوريا.
تشير تقارير إلى أن العلاقة بين قرداش والبغدادي تمتد لنحو 16 عاماً، بعدما التقى الرجلان في سجن بوكا بمحافظة البصرة جنوب العراق، الذي كانت تديره القوات الأمريكية في حينها بعد عام 2003، وظلا فيه لسنوات سجناء؛ قبل أن يُطلق سراحهما، وتبدأ مسيرة جديدة مع “داعش”.
ورجح تقرير صادر عن جهاز الأمن الوطني العراقي المعني بملف الإرهاب والجماعات الإرهابية، أن تولي قرداش زعامة “داعش” سيؤدي إلى مرحلة وصفها التقرير بـ “خطيرة للغاية” من العنف العشوائي الذي يطال المدنيين بطريقة انتقامية، ويطرح احتمالات خطيرة لعودة العمليات الإرهابية التي تستهدف إثارة الفتنة الطائفية في العراق.
ووفقاً للتقرير، فإن خلافة قرداش للبغدادي، أثار قلاقل الأجهزة الأمنية، التي صنفته بأنه من “أشرس وأقسى قادة (داعش)”؛ حيث أعلنت أجهزة الاستخبارات العراقية، حالة استنفار معلوماتية حول شخصية قرداش، وما هي تحركاته، وأين يمكن أن يكون موجوداً.
يبقى القول أن المثير للانتباه هو توقيت الإعلان عن مقتل البغدادي، والذي يمكن تفسيره بأمرين: الأول، ورقة سياسية للرئيس ترامب للدخول في غمار خوض منافسات الفترة الرئاسية الثانية، مثلما فعل أوباما عندما أعلن مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، في 2 مايو 2011، وحظى بتأييد واسع في الداخل، وفاز بالفترة الرئاسية الثانية.
الأمر الثاني ، وهو مرتبط في جوهره بالأول وهو مواجهة الانتقادات التي يتعرض لها ترامب في الداخل من قبل الديمقراطيين والجمهوريين على السواء بسبب الانسحاب الأمريكي من سوريا، وأيضاً مواجهة حملة الديمقراطيين المطالبة بعزله.
وفي كل الأحوال فإن البيئة السياسية الحاضنة والمغذية للإرهاب، لابد من مواجهتها بإجراءات تنهي الفوضى والاضطرابات، وتعمل على تجفيف منابع الإرهاب، وذلك حتى لا يفاجأ العالم بميلاد وظهور إرهابي عالمي جديد.
المصدر : أ ش أ